• المملكة في مواجهة تضخم مستورد محتمل بسبب عودة الدولار الضعيف

    09/11/2009

    اقتصاديون ومحللون ماليون: نمتلك أدوات مالية ونقدية لمعالجته المملكة في مواجهة تضخم مستورد محتمل بسبب عودة «الدولار الضعيف» 
     



     
     

    أكد اقتصاديون أن المملكة تملك سياستين مالية ونقدية مرنة تمكنها من مواجهة التضخم الذي قد يعود إلى الصعود بعد تجاوز العالم التأثيرات الكبيرة للأزمة المالية العالمية وعودة «الدولار الضعيف» للظهور، مما قد يشكل ضغطا على الواردات. وتتركز هذه المرونة في تحريك سعر الفائدة أو إجراء برمجة على الإنفاق العام.
    ووفقا لاقتصاديين سعوديين، فإن المؤسستين المالية والنقدية ربما لا ترغبان التدخل في الوقت الحاضر بشكل كبير خشية أن تكون هنالك آثار سلبية غير متوقعة نتيجة هذا التدخل، ولكنهما إذا أرادتا ذلك، فيجب أن يكون بشكل نسبي ومحدود لكيلا تؤثرا في الوضع الاقتصادي والنمو المصاحب للمرحلة في الداخل والخارج، خاصة أن المملكة مرتبطة بالأسواق العالمية بسلعة رئيسة وهي النفط الذي يرتبط بدوره بأكبر عملة في العالم وهي الدولار.قنوات تواصل
    القطبان «النفط والدولار» يتأثران بشكل يومي من حيث الارتفاع والانخفاض، إلا أن المملكة التي ترتبط بشكل مباشر بهذين القطبين الرئيسين، لديها قنوات تواصل مع الاقتصاد العالمي فيما يتعلق بالصادرات والواردات وهذه القنوات قد تكون مدخلا أساسيا في زيادة نسب التضخم بسبب انخفاض سعر صرف الدولار، وهذا التضخم أمر وارد عندما يتعلق الأمر بالاستيراد. فحينما تكون هنالك سلع ربما شهدت أسعارها انخفاضا بسبب تدني سعر صرف الدولار أمام العملات العالمية فهذا قد يكون مؤشرا لتضخم مستورد قادم ربما تعانيه المملكة غير أن اقتصاديين سعوديين تحدثوا لـ «الاقتصادية» عن فرضية أن تواجه المملكة تضخماً محلياً أو مستورداً بسبب انخفاض سعر صرف الدولار، يرون أن المجتمع السعودي أصبح لديه الآن رغبة جامحة في ضبط أموره المالية وخاصة فيما يتعلق بعمليات الصرف وعدم الإقبال على شراء السلع التي لا يحتاج إليها بدرجة مقنعة في الوقت الراهن.
     
     وعي المستهلك السعودي
     

    القرعاوي: التضخم أمر وارد عندما يتعلق الأمر بالاستيراد
     
     
    يشير هنا ناصر القرعاوي الاقتصادي السعودي إلى أن المستهلك السعودي أصبح على درجة عالية من الوعي الاستهلاكي تمكنه من التكيف مع مكونات أسباب التضخم، كما أن حجم السيولة المتوافرة في قنوات المصارف والأفراد في تداولاتهم اليومية لم تصل بعد إلى سقف يمكن أن يؤدي إلى زيادة نسبة التضخم.
    يقول القرعاوي: إن التضخم قد يكون في سلع محدودة جدا ومن دول معروفة لدى المستهلك السعودي من خلال السلع التقليدية أو الرديئة، حيث بدأت سياسة الدولة تنظر إلى حسن اختيار السلع التي تتوافق مع ثقافة المستهلك السعودي. وبفضل هذه السياسة والوعي أصبح لدينا من أدوات السيطرة على التضخم المحلي ما يشفع لنا مثلما كان في العامين الأخيرين، أصبحنا على درجة عالية من الوعي سواء على مستوى الدولة أوالمستهلك لامتصاص أي جرعة من أسباب التضخم. بيد أن القرعاوي يعود ليقول: «بالتأكيد إن زيادة نسب التضخم بسبب انخفاض الدولار أمر وارد في المملكة ولكن ليس بالدرجة المقلقة على المدى القريب».
     التضخم المحلي أخطر من المستورد
    يبين القرعاوي أن التضخم المحلي هو نتيجة سيولة عالية متداولة بين الأفراد أو حتى القطاع الخاص بشكل عام، وليس لديه مبرر لصرفها باعتبار أنه حقق المستويات الطبيعة من الصرف على مستلزماته الأساسية فيأتي التضخم نتيجة زيادة شراء سلع غير أساسية أو انخفاض أسعار قد لا تكون حقيقية. أما التضخم المستورد فهو عبارة عن مكونات وصادرات أو منتجات لم يعد المجتمع السعودي يتعامل معها كما كان في السابق، فهنالك حملة وطنية لمنع دخول السلع المقلدة والرديئة إلى البلاد وحماية المجتمع من أضرارها. ويقول القرعاوي إن التضخم المحلي أخطر من المستورد الذي يمكن الحد من آثاره ولكن المملكة مرتبطة بشكل أساسي بالنفط والدولار، لذلك استمرار ربط الريال السعودي بالدولار أمر ضروري كون المملكة أكبر منتج للنفط ولديها استثمارات ضخمة في الخارج.
     تضخم وارد بعد عام 2010
    ويضيف «ربما خلال عام 2010 لا تتأثر المملكة بنسب التضخم ولكن ربما يكون ذلك مقلقا فيما بعد»، لذا فالسلطتان النقدية والمالية لا ترغبان في اعتبار أن لديهما قنوات أخرى من الصرف وقطاعات تحتاج إلى ضخ مزيد من السيولة والمشاريع من أجل دوران عجلة التنمية، بالتالي فإن الخوف والحذر سيكون من التضخم المستور وليس التضخم المحلي باعتبار أن أدوات السيطرة على التضخم المحلي سهلة ومتوافرة لدى المملكة، ولكن ما يطمئن السلطات النقدية والمالية أن لدينا درجة جيدة من الوعي الاستهلاكي خاصة بعد انهيار الأسهم خلال العامين الماضيين والأزمة المالية الأخيرة، حيث أصبحت هنالك حاجة ملحة لضبط السلوك الاستهلاكي مما يقلل من فرص زيادة نسب التضخم المحلي أو المستورد معا.
    ولا يتوقع القرعاوي أن تتخذ المملكة، ممثلة في وزارة المالية ومؤسسة النقد، قرارات صعبة ذات تأثير قوي في الوقت الحالي على اعتبار أن الوضع الاقتصادي لا يتحمل اتخاذ مثل هذه القرارات ولكنها ـ أي المملكة ـ تراقب وتدرس وتتعامل من خلال أدواتها مع البنوك والسياسة المالية بدرجة جيدة لامتصاص أي آثار لتضخم مستورد محتمل.
     
     أدوات مالية ونقدية
     

    القويز: هنالك أدوات مالية ونقدية قد تلجأ إليها المملكة لمعالجة أي آثار للتضخم
     
     
    بيد أن محمد عبد الله القويز الشريك المؤسس لشركة دراية المالية، خلاف ما ذهب إليه القرعاوي بخصوص عدم رغبة الحكومة في التدخل في الوقت الراهن لمعالجة أي آثار تضخم محتمل، حيث يرى القويز أن هنالك أدوات مالية وأخرى نقدية يمكن أن تلجأ إليهما المملكة لمعالجة آثار أي تضخم محتمل من خلال تحكمها في أوجه الصرف وزيادة بنود الميزانية في سبيل تنشيط الاقتصاد إذا واجه ضعفاً في أحد قطاعاته أو من خلال التحكم في أسعار الفائدة المرتبطة بالدولار، إلى جانب وسائل أخرى يمكن اللجوء إليها من ضمنها تحديد سعر الريبو العكسي والاحتياطيات الإلزامية على البنوك، إضافة إلى البنود المتعلقة بالاشتراطات للقروض وخاصة القروض الاستهلاكية.الاستثمار الزراعي
    ويدعم وجهة نظر القويز تلك الدكتور خالد المانع الاقتصادي السعودي بأن هنالك سياسات نقدية ستتبعها مؤسسة النقد ستكون متوائمة مع السياسات النقدية العالمية في المستقبل فهناك عوامل وأدوات اقتصادية أخرى ستشكل أهمية أكبر للمحافظة على تخفيض الأسعار بغض النظر عن حركة أسعار الدولار ولعل من أبرزها مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للاستثمار الزراعي الخارجي التي أطلقها بهدف تشجيع المستثمرين السعوديين عبر تقديم تسهيلات ائتمانية ومالية لهم لحثهم على الاستثمار في زراعة المحاصيل الأساسية في الخارج والإسهام في تحقيق الأمن الغذائي للداخل.
    ويرى المانع أن سريان تطبيق قانون الرهن العقاري بكل ما يحتوي من أبعاد ضخمة سيسهم في خفض أسعار السكن في السعودية، وتوجه المملكة للاستثمار الزراعي خارجيا يشكل إصلاحات وسياسات اقتصادية استراتيجية لمواجهة أي تضخم مستورد نتيجة انخفاض سعر الدولار. وإن كان لهذه السياسات ارتباط غير مباشر بالسياسة النقدية من حيث طرق التمويل ووسائل الائتمان ومؤسساته.
     
     فقاعة ائتمانية
     

    المانع: المرحلة القادمة ستشهد تقارباً بين جدوى السياسات النقدية للدولار مع الريال
     
     
    يقول المانع: «يجب أن ندرك حقيقة الذي لم يقل حتى الآن عن السبب الجوهري خلف ارتفاع أسعار السلع والخدمات في السابق من أنه ليس بدافع انخفاض سعر صرف الدولار أمام سلة العملات العالمية فقط، بل نتيجة لزيادة عرض النقود العالمي إثر فقاعة ائتمانية أنتجت قدرا كبيرا من السيولة النقدية بضمانات قليلة الجودة ومنها ضمانات سندات الرهن العقاري».
    ويضيف أن الاقتصاد الأمريكي سيحتاج خلال بداية السنة المقبلة إلى رفع سعر الفائدة مقابل التوقعات بإبقاء منطقة اليورو مستويات الفائدة منخفضة نتيجة للتباطؤ في انتعاش الاقتصاد الأوروبي قياسا مع بقية اقتصاديات العالم وهذا سيحدث فارقا نقطيا يصب في مصلحة قوة الدولار، لذا لا أرى أننا أمام دولار ضعيف على المستوى طويل الأجل في الأساس كما يعتقد بذلك أغلبية الاقتصاديين، وهذا يصب بلا شك في صالح تثبيط الأسعار على المستوى المحلي، وارتفاع قيمة الأصول السعودية في الخارج الأمر الذي يدعم حالة الاستقرار المالي والسياسة النقدية في السعودية وذلك أمام موقف المملكة الصارم الذي عبرت عنه مرارا تجاه المحافظة على قيمة أصولها في الخارج.
     تقارب الدولار والريال
    ويعتقد الدكتور المانع أن المرحلة المقبلة ستشهد تقاربا بين جدوى السياسات النقدية للدولار مع جدوى السياسات النقدية للريال، كما أن النظرة الاستراتيجية لا تقول إن من مصلحة أمريكا انخفاض مستويات الدولار إلى مستويات كبيرة، فالمرحلة التي هي يصددها مرحلة احتواء وإصلاح تفرضها ارتفاع معدلات البطالة التي تقارب 10 في المائة وضرورة المحافظة على القوة الشرائية للمواطن الأمريكي بل تعزيزها في مثل هذا الظرف.

حقوق التأليف والنشر © غرفة الشرقية